responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 71
وَالتَّوْحِيدِ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتِهِمْ عَلَى إِسْنَادِ الْفِعْلِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

[سورة التوبة (9) : آية 55]
فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (55)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَطَعَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى رَجَاءَ الْمُنَافِقِينَ عَنْ جَمِيعِ مَنَافِعِ الْآخِرَةِ، بَيَّنَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي يَظُنُّونَهَا مِنْ بَابِ الْمَنَافِعِ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهَا أَسْبَابَ تَعْظِيمِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَأَسْبَابَ اجْتِمَاعِ الْمِحَنِ وَالْآفَاتِ عَلَيْهِمْ، وَمَنْ تَأَمَّلَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ عَرَفَ أَنَّهَا مُرَتَّبَةٌ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ قَبَائِحَ أَفْعَالِهِمْ وَفَضَائِحَ أَعْمَالِهِمْ، بَيَّنَ مالهم في الآخرة من العذاب الشديد ومالهم فِي الدُّنْيَا مِنْ وُجُوهِ الْمِحْنَةِ وَالْبَلِيَّةِ، ثُمَّ بَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْبَتَّةَ. ثُمَّ بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ مَا يَظُنُّونَ أَنَّهُ مِنْ مَنَافِعِ الدُّنْيَا فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ سَبَبٌ لِعَذَابِهِمْ وَبَلَائِهِمْ وَتَشْدِيدِ الْمِحْنَةِ عَلَيْهِمْ، وَعِنْدَ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ النِّفَاقَ جَالِبٌ لِجَمِيعِ الْآفَاتِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَمُبْطِلٌ لِجَمِيعِ الْخَيْرَاتِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَإِذَا وَقَفَ الْإِنْسَانُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ عَرَفَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَرْتِيبُ الْكَلَامِ عَلَى وَجْهٍ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا. وَمِنَ اللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: هَذَا الْخِطَابُ، وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ مُخْتَصًّا بِالرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِلَّا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ كُلُّ الْمُؤْمِنِينَ، أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَعْجَبُوا بِأَمْوَالِ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ، وَلَا بِأَوْلَادِهِمْ وَلَا بِسَائِرِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ [طه: 131] الْآيَةَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الإعجاب: السرور بالشيء كه مَعَ نَوْعِ الِافْتِخَارِ بِهِ، وَمَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِهِ مَا يُسَاوِيهِ، وَهَذِهِ الْحَالَةُ تَدُلُّ عَلَى اسْتِغْرَاقِ النَّفْسِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ وَانْقِطَاعِهَا عَنِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَبْعُدُ فِي حُكْمِ اللَّهِ أَنْ يُزِيلَ ذَلِكَ الشَّيْءَ عَنْ ذَلِكَ الْإِنْسَانِ وَيَجْعَلَهُ لِغَيْرِهِ، وَالْإِنْسَانُ مَتَى كَانَ مُتَذَكِّرًا لِهَذَا الْمَعْنَى زَالَ إِعْجَابُهُ بِالشَّيْءِ، وَلِذَلِكَ
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ شُحٌّ مُطَاعٌ وَهَوًى مُتَّبَعٌ وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ»
وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: «هَلَكَ الْمُكْثِرُونَ»
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَا لَكَ مِنْ مَالِكَ/ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ»
وَذَكَرَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَرَفَعَهُ إِلَى الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ كَثُرَ مَالُهُ اشْتَدَّ حِسَابُهُ، وَمَنْ كَثُرَ بَيْعُهُ كَثُرَتْ شَيَاطِينُهُ، وَمَنِ ازْدَادَ مِنَ السُّلْطَانِ قُرْبًا، ازْدَادَ مِنَ اللَّهِ بُعْدًا»
وَالْأَخْبَارُ الْمُنَاسِبَةُ لِهَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا الزَّجْرُ عَنِ الِارْتِكَانِ إِلَى الدُّنْيَا، وَالْمَنْعُ مِنَ التَّهَالُكِ فِي حُبِّهَا وَالِافْتِخَارِ بِهَا. قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: الْمَوْجُودَاتُ بِحَسَبِ الْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ: الَّذِي يَكُونُ أَزَلِيًّا أَبَدِيًّا، وَهُوَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ وَالثَّانِي: الَّذِي لَا يَكُونُ أَزَلِيًّا وَلَا أَبَدِيًّا وَهُوَ الدُّنْيَا. وَالثَّالِثُ: الَّذِي يَكُونُ أَزَلِيًّا وَلَا يَكُونُ أَبَدِيًّا وَهَذَا مُحَالُ الْوُجُودِ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّ مَا ثَبَتَ قِدَمُهُ امْتَنَعَ عَدَمُهُ. وَالرَّابِعُ: الَّذِي يَكُونُ أَبَدِيًّا وَلَا يَكُونُ أَزَلِيًّا وَهُوَ الْآخِرَةُ وَجَمِيعُ الْمُكَلَّفِينَ، فَإِنَّ الْآخِرَةَ لَهَا أَوَّلٌ، لَكِنْ لَا آخِرَ لَهَا، وَكَذَلِكَ الْمُكَلَّفُ سَوَاءً كَانَ مُطِيعًا أَوْ كَانَ عَاصِيًا فَلِحَيَاتِهِ أَوَّلٌ، وَلَا آخِرَ لَهَا.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ الْحَاصِلَةَ بَيْنَ الْإِنْسَانِ الْمُكَلَّفِ وَبَيْنَ الْآخِرَةِ أَشَدُّ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّنْيَا، وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ خُلِقَ لِلْآخِرَةِ لَا لِلدُّنْيَا، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْتَدَّ عَجَبُهُ بِالدُّنْيَا، وَأَنْ لَا يَمِيلَ قَلْبُهُ إِلَيْهَا فَإِنَّ الْمَسْكَنَ الْأَصْلِيَّ لَهُ هُوَ الْآخِرَةُ لا الدنيا.
أما قوله: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ففيه مسائل:

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 71
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست